فصل: من فوائد الجصاص في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}
كان هذا الحكم في أول الإسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادن من العرب قبائل، كرهط هلال بن عويمر الأسلمي، وسرقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف، فقضت هذه الآية بأنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل من الموادعة فلا سبيل عليه، وقال عكرمة والسدي وابن زيد: ثم لما تقوى الإسلام وكثر ناصروه نسخت هذه والتي بعدها بما في سورة براءة، وقال أبو عبيدة وغيره: {يصلون} في هذا الموضع معناه، ينتسبون، ومنه قول الأعشى: [الطويل]
إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ: أَبَكْر بْن وَائِلٍ ** وَبَكْرٌ سَبَتْهَا والأُنُوفُ رَوَاغِمُ

يريد إذا انتسبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير صحيح، قال الطبري: قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقتضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل، فإن قيل: إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشًا إلا بعد نسخ هذه الآية، قيل: التواريخ تقضي بخلاف ذلك، لأن الناسخ بهذه الآية هي سورة براءة، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش، وقوله تعالى: {أو جاءوكم} عطف على {يصلون}، ويحتمل أن يكون على قوله: {بينكم وبينهم ميثاق} والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضًا حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالمًا كارهًا لقتال قومه، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه، وهذه نسخت أيضًا بما في براءة. و{حصرت}: ضاقت وحرجت، ومنه الحصر في القول، وهو: ضيق الكلام على المتكلم، وقرأ الحسن وقتادة {حصرة} كذا قال الطبري: وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص، وحكي عن الحسن أنه قرأ {حصرات} وفي مصحف أبيّ سقط {أو جاءوكم}، و{حصرت} عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف، كقولك جاء زيد ركب الفرس، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبرًا آخر عن زيد، لم تحتج إلى تقدير قد، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد، قال الزجاج: {حصرت} خبر بعد خبر، وقال المبرد: {حصرت} دعاء عليهم.
قال القاضي أبو محمد: وقال بعض المفسرين: لا يصح هنا الدعاء، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم، ذلك فاسد.
قال المؤلف: وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم، أي هم أقل وأحقر، ويستغنى عنهم، كما تقول إذا أردت هذا المعنى: لا جعل الله فلانًا عليَّ ولا معي أيضًا، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه، واللام في قوله: {لسلطهم} جواب {لو}، وفي قوله: {فلقاتلوكم} لام المحاذاة والازدواج، لأنها بمثابة الأولى، لو لم شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم، فإذا قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها، وقرأت طائفة {فلقتلوكم} وقرأ الجحدري والحسن {فلقتّلوكم} بتشديد التاء، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل، و{السلم} هنا الصلح، قاله الربيع، ومنه قول الطرماح بن حكيم:
وذاك أن تميمًا غادرت سلمًا ** لللأسد كل حصان رعثة الكبد

وقال الربيع: {السلم} هاهنا الصلح، وكذا قرأته عامة القراء، وقرأ الجحدري {السلّم} بسكون اللام، وقرأ الحسن {السّلِمْ} بكسر السين وسكون اللام، فمعنى جملة هذه الآية، خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلا من دخل منهم في عداد من {بينكم وبينه ميثاق} والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه، وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم، لأنه لو شاء {لسلط} هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم {فلقاتلوكم}، فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم، فلا سبيل لكم عليهم، وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم إن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8] منسوخ بما في سورة براءة، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق} استثناء من الضمير في قوله سبحانه: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم} [النساء: 89] أي إلا الذين يصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ولم يحاربوكم وهم بنو مدلج.
أخرج ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة: بلغني أنه عليه الصلاة والسلام يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي من بني مدلج فأتيته فقلت: أنشدك النعمة، فقالوا: مه؛ فقال: دعوه ما تريد؟ قلت: بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخش بقلوب قومك عليهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال: اذهب معه فافعل ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم فأنزل الله تعالى: {وَدُّواْ} [النساء: 89] حتى بلغ {إِلاَّ الذين يَصِلُونَ} فكان من وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي وفي بني جذيمة بن عامر، ولا يجوز أن يكون استثناء من الضمير في {فَلاَ تَتَّخِذُواْ} [النساء: 89] وإن كان أقرب لأن اتخاذ الولي منهم حرام مطلقًا.
{أَوْ جَاءوكُمْ} عطف على الصلة أي (و) الذين جاءوكم كافين من قتالكم وقتال قومهم، فقد استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم فريقان: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين؛ ومن أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين، أو عطف على صفة قوم كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين، أو إلى قوم كافين عن القتال لكم وعليكم، والأول: أرجح رواية ودراية إذ عليه يكون لمنع القتال سببان: الاتصال بالمعاهدين، والاتصال بالكافين وعلى الثاني: يكون السببان الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين لكن قوله تعالى الآتي: {فَإِنِ اعتزلوكم} إلخ يقرر أن أحد السببين هو الكف عن القتال لأن الجزاء مسبب عن الشرط فيكون مقتضيًا للعطف على الصلة إذ لو عطف على الصفة كان أحد السببين الاتصال بالكافين لا الكف عن القتال، فإن قيل: لو عطف على الصفة تحققت المناسبة أيضًا لأن سبب منع التعرض حينئذ الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين، والاتصال بهؤلاء وهؤلاء سبب للدخول في حكمهم.
وقوله سبحانه: {فَإِنِ اعتزلوكم} يبين حكم الكافين لسبق حكم المتصلين بهم، أجيب: بأن ذلك جائز إلا أن الأول أظهر وأجرى على أسلوب كلام العرب لأنهم إذا استثنوا بينوا حكم المستثنى تقريرًا وتوكيدًا، وقال الإمام: «جعل الكف عن القتال سببًا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن يكف عن القتال سببًا (قريبًا) لترك التعرض لأنه سبب بعيد» على أن المتصلين بالمعاهدين ليسوا معاهدين لكن لهم حكمهم بخلاف المتصلين بالكافين فإنهم إن كفوا فهم هم وإلا فلا أثر له، وقرأ أبي {جَاءوكُمْ} بغير أو على أنه استئناف وقع جوابًا لسؤال كأنه قيل: كيف كان الميثاق بينكم وبنيهم؟ فقيل: جاءوكم إلخ، وقيل: يقدر السؤال كيف وصلوا إلى المعاهدين ومن أين علم ذلك وليس بشيء، أو على أنه صفة بعد صفة لقوم، أو بيان ليصلون، أو بدل منه، وضعف أبو حيان البيان بأنه لا يكون في الأفعال، والبدل أنه ليس إياه ولا بعضه ولا مشتملًا عليه، وأجيب بأن الإنتهاء إلى المعاهدين والاتصال بهم حاصله الكف عن القتال فصح جعل مجيئهم إلى المسلمين بهذه الصفة، وعلى هذه العزيمة بيانًا لاتصالهم بالمعاهدين، أو بدلًا منه كلًا أو بعضًا أو اشتمالًا وكون ذلك لا يجري في الأفعال لا يقول به أهل المعاني، وقيل: هو معطوف على حذف العاطف.
وقوله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} حال بإضمار قد، ويؤيده قراءة الحسن حصرة صدورهم وكذا قراءة حصرات وحاصرات واحتمال الوصفية السببية لقوم لاستواء النصب والجر بعيد.
وقيل: هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل جاءوا أي جاءُكم قومًا حصرت صدورهم ولا حاجة حينئذ إلى تقدير قد، وما قيل: إن المقصود بالحالية هو الوصف لأنها حال موطئة فلابد من قد سيما عند حذف الموصوف فما ذكر التزام لزيادة الإضمار من غير ضرورة غير مسلم، وقيل: بيان لجاءوكم وذلك كما قال الطيبي لأن مجيئهم غير مقاتلين و{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أن يقاتلوكم بمعنى واحد، وقال العلامة الثاني: من جهة أن المراد بالمجيء الاتصال وترك المعاندة والمقاتلة لا حقيقة المجيء، أو من جهة أنه بيان لكيفية المجيء، وقيل: بدل اشتمال من {جَاءوكُمْ} لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره، وقيل: إنها جملة دعائية، ورد بأنه لا معنى للدعاء على الكفار بأن لا يقاتلوا قومهم، بل بأن يقع بينهم اختلاف وقتل، والحصر بفتحتين الضيق والانقباض.
{أن يقاتلوكم أَوْ يقاتلوا قَوْمَهُمْ} أي عن أن يقاتلوكم، أو لأن، أو كراهة أن {وَلَوْ شَاء الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم {فلقاتلوكم} عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم، واللام جوابية لعطفه على الجواب، ولا حاجة لتقدير لو، وسماها مكي وأبو البقاء لام المجازاة والازدواج، وهي تسمية غريبة، وفي الإعادة إشارة إلى أنه جواب مستقل والمقصود من ذلك الامتنان على المؤمنين، وقرئ {فلقتلوكم}.
بالتخفيف والتشديد {فَإِنِ اعتزلوكم} ولم يتعرضوا لكم {فَلَمْ يقاتلوكم} مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله تعالى: {وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم} أي الصلح فانقادوا واستسلموا، وكان إلقاء السلم استعارة لأن من سلم شيئًا ألقاه وطرحه عند المسلم له، وقرئ بسكون اللام مع فتح السين وكسرها {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم، وفي نفي جعل السبيل مبالغة في عدم التعرض لهم لأن من لا يمر بشيء كيف يتعرض له.
وهذه الآيات منسوخة الحكم بآية براءة {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَصِلُونَ بِمَعْنَى يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ أَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ وَبَكْرٌ سَبَتْهَا وَالْأُنُوفُ رَوَاغِمُ وَقَالَ زَيْدُ الْخَيْرِ: إذَا اتَّصَلَتْ تُنَادِي يَا لَقَيْسٍ وَخَصَّتْ بِالدُّعَاءِ بَنِي كِلَابِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الِانْتِسَابُ يَكُونُ بِالرَّحِمِ وَيَكُونُ بِالْحَلِفِ وَبِالْوَلَاءِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَيْضًا رِجْلٌ فِي عَهْدِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُوَادَعَةِ فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَتْ بَنُو كِنَانَةَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ.
وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ؛ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ} قَالَ: ثُمَّ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَاتِ: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.